- استطاع النقاد والأدباء العرب على مختلف الحقب أن يُجسدوا النظريات التي تُترجم أفكارهم وتوجهاتهم في أعمال متعددة قدموها إلى القارئ الذي يحاول تقمص التجربة على اختلاف مستوياتها، ويُحاول فهم الأسس والميولات التي تُناسب تفكيره.
- الأدباء العرب الذين عملوا على تحديد الأطر البينية للمدرسة الأدبية التي تبنت أفكار الرومانسية.
![](https://www.nafham.com/uploads/blog/25865/9.jpg)
- **تمظهرات النزعة الذاتية في أشعار «إيليا أبو ماضي»:**
- شعر إيليا أبو ماضي يحوي مسحة فلسفية مُشبعة بالتأمل والتدبر، كما نجده محشوَا بِجُملة من المشاعر المتناقضة ما بين تشاؤم وتفاؤل، لهذا أخذنا بعض الأبيات الشعرية المُختارة من جُملة دواوينه لِنجري عليها بعض التحاليل اللُغوية التي تسمح لنا باقتناص الدِلالات اللُغوية.
- تتجسد ذاتية إيليا أبو ماضي في جملة أشعاره التي ترجمت صرخات الأنا، حيث نجده يقول: **جئت ولا أعلم من أين ولكني أتيت وقد أبصرت قدامي طريقًا فمشيت أجديد أنا أم قديم في هذا الوجود؟ هل أنا حر طليق أم أسير في قيود؟** **أتمنى أن أدري ولكن
لست أدري**
- يطرح إيليا أبو ماضي جُملة من التساؤلات التي تُدخله في دوامة الحيرة والضياع بين الأفكار والتأملات اللامتناهية، فهو يتساءل عن وجوده وكينونته، عن تموقع ذاته لكنه يصل إلى نتيجة العدم التي تُعزز فيه نزعة السؤال.
- يبحث شاعرنا عن دوره في الحياة ووظيفته إلا أنه يبقى غارقًا في دياجير مغلقة، فهو لا يعلم لماذا أتى وإلى أين يمضي، بل هو يَتبِع تيار الحياة الذي يجرفه إلى حيثُ يشاء فهو يقول: **وقد أبصرت طريقا قدامي فمشيت.**
- جملة الأبيات التي عرضناها فيها ذاتية واضحة، فهو يٌقرن كل سؤال تقريبًا بضمير المتكلم **«أنا»**، باحثًا عن الانتماء الذي يفقده، وقد يُمكننا القول أن إيليا أبو ماضي يبحث عن ذاته الصارخة بين همس الكلمات التي ترتجف عند بوابة قلمه، ويُحاول جاهدًا خلق الأجوبة الشافية إلا أنه يُواجه حقيقة واحدة **«لست أدري».**
- ويقول في موضع آخر:
- **أنا من أنا يا ترى في الوجود .... وما هو شأني وما موضعي؟ أنا قطرة لمعت في الضحى .... قليلًا على ضفة المشرع أنا نغمة وقعتها الحياة ..... لمن قد يعي ولمن لا يعي**
![](https://www.nafham.com/uploads/blog/25865/pexels-photo-127160.jpeg)
- «أنا» برهان قاطع على الحرب التي تدور بين الشاعر وذاته، فذلك النزاع الذي لا يخمد بين هذين الطرفين لا يكاد ينفك عن خلق أسئلة تُؤرق الشاعر، فمن الجلي أنهُ يسعى لكي يكون، ويُحاول جاهدًا أن يرسم صورة فعلية لمكانته ووجوده فيصل إلى جواب: أنا قطرة، أنا نغمة.
- ولكن لماذا لم يجزم بِوعي الناس لهذا الجواب، فحتى في حالة الإثبات لم يصرح تصريحًا تامًا بالوعي التام بل أرفقه بأداة شك تحتمل الوجهين: الوعي أو اللاوعي، ثم تلاه بنفي مطلق؟ فهل الشاعر في حالة شعورية انتقالية؟ هل تحول الشك من ذاته إلى الآخر الذي له حق الحكم على الإجابة التي أعطاها لنفسه؟
- تشبع إيليا بالنزعة الإنسانية التي اكتست جل أشعاره، فهو يتعامل مع المحيط بفؤاده وروحه، مستشعرًا ضعف الإنسان الذي لا حيلة له أمام الخالق فنجده يُذكره بتربيته، ويُرجعه إلى أصله الأول فيقول:
**نسي الطين ساعة أنه طين حقير فصال تيها وعربد. يا أخي لا تمل بوجهك عني .... مـــــــا أنا فحمة ولا أنت فرقد ولقلبي كما لقلبك أحلا .... م حسان فإنه غير جلمد أأمانِي كلها من تراب... وأمانيك كلها من عسجد**
- تقبل هذه الحقيقة صعب على الذين اجتاحهم الغرور، وتسلطت عليهم الدنيا، أما «إيليا أبو ماضي» فقد حاول إيقاظ الحقيقة المغفول عنها، ولجأ إلى أسلوب التذكير لكي يعود الإنسان إلى أصله الأول وهو التراب، فلا مفر له من ذلك فقد خُلق من تُراب وسيُدفن في تُراب، وهذه قاعدة آمن بها «إيليا» وحاول توصيلها إلى كل من غرته الحياة الدنيا.
- إن الشاعر في نزعته الإنسانية يدعو الإنسان إلى التسامح والإخاء في كل زمان ومكان، وهذه الأبيات تُشير إلى أنه كان مصلحًا اجتماعيًا يُحارب الغرور والتكبر، والمشاكل الإنسانية في المجتمع، ويسأل الإنسان عن سبب غروره أمام الآخرين بالرغم من أنه خلق من طين.
- التواضع الذي يرتسم في شخصية إيليا أبو ماضي من خلال أشعاره أعطاه نزعة إنسانية مُتميزة، فهو لا يُفكر بحالته فقط، بل له انفعالات مُذيلة مع كل من يُحيطون به، فقد كرس نفسه لكي يكون مُوجهًا ومُرشدًا وناصحًا، بهدف انتشار التسامح والمحبة بين الناس.
- يقول أيضًا:
- **ابسمي كالورد في فجر الصباء.....
وابسمي كالنجم إن جن المساء**
![](https://www.nafham.com/uploads/blog/25865/pexels-photo-573238.jpeg)
- كان إيليا أبو ماضي مُولعًا بالطبيعة، فاستلهم منها أشعاره، واتخذها الأنيس له في وحدته، والمُلهم في لحظات تأمله، والرفيق الوفي حال حُزنه وغربته، يلجأ إليها ويستمد منها التفاؤل والرغبة في البقاء حيث يقول:
- **أنا من مياهك قطرة..... فاضت جداول من سنا أنا من تُرابك ذرة..... ماجت مواكب من منى أنا من طيورك بلبل.... غنّى بمجدك فاغتنى**
هذه المقطوعة الشعرية مزيج من النزعات المتفاعلة فيما بينها، فقد نسج إيليا أبو ماضي كل مشاعره تحت مضل الذات التي تحمل كل ما يجيش في جوانياته فها نحن نجده يقول: **أنا من مياهك قطرة**، أي أنه ربط نفسه ربطًا مباشرًا بالطبيعة التي تحتويه، وهذه البيعة كائنة في وطنه الذي يُمثل له الحضن الدافئ الذي يلجأ إليه، ثم يُصرح بتغنيه وحبه لوطنه مُشبِهًا نفسه بالبلبل.
-----------
------------
**المصادر:**
1. إيليا أبو ماضي، الأعمال الشعرية الكاملة.
2. سكينة حسني، ملامح من الواقعية الاجتماعية في شعر إيليا أبو ماضي.
3. إيليا أبو ماضي، الخمائل.
4. إبراهيم خليل، مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث.
------------
إعداد: [حيزية كروش](https://www.nafham.com/profile/625636)
مراجعة: [هند يونس](https://www.nafham.com/profile/561712)
إشراف: [سماء إبراهيم](https://www.nafham.com/profile/379932)
التعليقات